كيف تصدرت سويسرا مجال صناعة الساعات مثل ساعات رولكس
كيف تَصَّدرت سويسرا مجال صناعة الساعات
لموقع حكايا المجوهرات
سانت إميير، سويسرا – في بعض النواحي لم يحدث تغير يُذكَر في شركة ” CadransFlückiger S.A ” وهي شركة تأسست هنا لتصنيع الساعات الرقمية في المنطقة الناطقة بالفرنسية من جبال جورا عام 1860.
لا يزال مصنع نهر “سوز” الذي يتدفق عبر وادي سانت إميير المحيط به هو المركز الأصغر والأقل شهرة من بين المراكز الرئيسية الثلاث لصناعة الساعات بسويسرا خلف مدينة ” جنيف ” ووادي جبال جورا الأسطوري، و لا يزال المصنع يستخدم المعدات الأصلية بما في ذلك محرك روز العتيق لأداء تقنيات قديمة مثل تقنية”guillochage” وهي عملية تصنع أنماطًا زخرفية دقيقة، ولا يزال العمال يعملون يدويًا لإنتاج ساعات رقمية لمجموعة من العلامات التجارية الرائدة للساعات في سويسرا و تشمل Patek Philippe و AudemarsPiguetو Chopard
ومنذ أن قامت شركة “Patek Philippe” بالاستحواذ على شركة “CadransFlückiger S.A ” في عام 2006 فقد نمت شركة “CadransFlückiger S.A” من 54 موظفاً إلى حوالي 100 موظف لكنها لا تزال ارتداداً للقرن التاسع عشر عندما ازدهر نظام إنتاج يُعرَف باسم “établissage” – وهو مصطلح فرنسي يشير إلى تجميع ساعة من مكونات مصنوعة من قِبَل متخصصين خارجيين وقد ازدهر في جميع أنحاء قرى جورا لصناعة الساعات.
إن الساعات السويسرية في يومنا هذا ولاسيما مجموعة الساعات الأوتوماتيكية المصنوعة يدوياً والتي تم الإشادة بها لدقتها وأصلها هي مرادفة للرفاهية، وهناك إعلان لشركة طيران سويسرية في مطار زيوريخ يعبر عن كل شيء ” إن الطيران مثلُ التسوق لشراء ساعة سويسرية من الصعب ارتكاب أخطاءٍ به “.

قال (جورج كيرن) الرئيس التنفيذي لشركة صناعة الساعات السويسرية ” آي دبليو سي” بمدينة شافهاوزن: “يتمتع السويسريون بهذه السُمعة المتمثلة في إنتاج الجودة على أعلى مستوى، كما يتمتع الألمان بسُمعة إنتاج أفضل السيارات في العالم ولا يمكنك فقط تقليد هذا.”
ومع ذلك عندما افتُتِح مصنع الساعات الرقمية “Flückiger” كان السويسريون مجرد متنافسين يتنافسون على مكانة رائدة بين صانعي الساعات في أوروبا، إن حكاية تَصَدُّرِهم لتجارة الساعات الراقية تُسَلِط الضوء على العصر الصناعي والمصالح المتنافسة التي شكَّلت تجارة الساعات الفاخرة.
يُعتَبَر الألمان بشكلٍ عام هم أولُ من صنعَ ساعاتٍ صغيرة بما يكفي لتكون محمولة، ويُنسِب معظم المؤرخون الفضل في صُنعِ أولِ ساعة إلى “بيتر هينلاين” صانع الأقفال والساعات الذي عاش في نورمبرغ في أوائل القرن السادس عشر وكان تخصصه هو تصغير الساعات بحيث يمكن ارتداؤها كالقلادات أو تثبيتها على الثياب.
وفي نفس الوقت جلبَ المسيحيون الفرنسيون الفارين من الاضطهاد في فرنسا خبرتهم الفنية للتأثير على تجارة الساعات المحلية في جنيف، مما حول المدينة تدريجيًا إلى مهد لصناعة الساعات الراقية.
ولكن مرت ثلاثمائة عام قبل أن يتحدى السويسريون تًفَوُقَ جيرانهم الأوروبيين، وقام الألمان والهولنديون بدورٍ رياديّ في التقدم في صناعة الساعات في القرن السابع عشر مع وجود اختراعات مثل الساعات ذات السلسلة والساعات التي تعمل بنابض التوازن على التوالي، ولا أحد يُنكِر في أن فترة حكم الانجليز في القرن الثامن عشر والتي كانت ابتكاراتهم التقنية على أيدي رجال أمثال ” جيمس كوك ” و ” جورج جراهام ” و ” جون هاريسون” قد وضعت حجر الأساس للحركات الميكانيكية في يومنا هذا.
في الوقت الذي وصل فيه صانعُ الساعات السويسري المَولِد ” أبراهام لويس بريغيه ” إلى باريس عام 1762 وكان وقتها صبيٌ متمرن يبلغ من العمر 15 عاماً وهو مخترع جملةَ أمور ومن بينها التوربيون وهو جهاز لإبطال تأثير الجاذبية على ساعات الجيب، وساعات ” بريتشو” وهي ذات آلية لامتصاص الصدمات وساعات نابض التوازن المسطح مع ملف أو ملفين طرفيين المعروفة باسم ” بريغييه أوفر كويل “، كان عالم الساعات على مشارف تَحَوُل آخر في موازيين القوى.
إن اختراع صانع الساعات الفرنسي ” جان أنطوان ليبين” لقُطر مسطّح مُبسّط ذو جسور يُعرَف باسم ” قُطر ليبين ” جعل من الممكن إنتاج ساعة جيب أقل سمكًا وتنبأَ بنهاية هيمنة صناعة الساعات في إنجلترا ، وقال المؤرخ ” ديفيد كريستيانسون” مؤلف كتاب “الساعات: روائع علم قياس الزمن : “في ذلك الوقت كانت أزياء الرجال من السراويل الرفيعة والصدريات تتطلب صندوق ساعة غير كبير الحجم ، ولم يكن البريطانيون على استعداد لتصغير حجم ساعاتهم.”
والأهم من ذلك أن ” فريدريك جابي” صانع ساعات في المنطقة الفرنسية من جبال جورا قام بتكييف قطر ليبين مع إنتاج المصنع في عام 1800 مما مهد الطريق لعصر جديد من الإنتاج الضخم، كان هذا التطور في صالح صانعي الساعات في سويسرا حيث انشغل الفلاحون والمزارعون في أشهُر الشتاء في صنع مكونات الساعات للشركات التي تتخذ من جنيف مقراً لها، و ساعد اجتهادهم واستقلاليتهم بلادهم على إنتاج مراكز مُنافسة.
و قال “جيروم لامبرت” الرئيس التنفيذي لشركة ” مونت بلانك” : ” إن سويسرا بلداً لا مركزية على الإطلاق حيث أن كل وادي له مالك أو منظمة و التي تملك مركز مدينةٍ صغيراً و حيوياً و بالتالي أدى ذلك إلى خلق امتدادًا طبيعيًا جدًا لطريقة صناعة الساعات التقليدية ، ولم تكن هذه هي الحالة نفسها في إنجلترا أو ألمانيا أو فرنسا ، حيث كانت هذه مركزية إلى حد كبير في المدن الكبرى “.
وباستخدام نظام “établissage” أنتج السويسريون ساعات أكثر بكثير من نظرائهم الأوروبيين، الذين لم يخرجوا بعد عن نطاق الصناعة المنزلية، و حسب ما جاء عن السيد كريستيانسون أنه قال ” أن كلٍ
من إنجلترا وسويسرا تمكنت من إنتاج 200000 ساعة في عام 1800م و بحلول عام 1850 كان السويسريون ينتجون 2200000 ساعة بينما لم يشهد البريطانيون أي زيادة تقريبًا ومع ذلك فإن الكمية لا تعني الجودة ، وقال: ” كان السويسريون قادرين على إنتاج” ساعات مزيفة ” تشبه الساعات الإنجليزية أو الفرنسية ولكنها ذات جودة أقل”.
ساعةMB&F LegacyMachine 101
صنعها ” مارتن فان دير اندي”
وقال “إن السويسريين تمكنوا من إنتاج ” ساعات مزيفة ” تشبه الساعات الانجليزية أو الفرنسية ولكنها كانت ذات جودة اقل ” .
ومع زيادة الإنتاج الوطني ظهر عدد قليل من الصُنّاع البارزين الذين اشتهروا بصنع ساعات دقيقة، تأسست شركة ” لونجين” في سانت إيمير في عام 1832 عندما كانت تُعرَف باسم ” أغاسيز و شركاه” و ذلك لأن مؤسسها ” أوغاستي أغاسيز” كان من بين أوائل المعارضين لاتجاه الـ établissage، وفي عام 1866م جلبت الشركة جميع أنشطة صناعة الساعات تحت سقف واحد، وفي غضون خمسة و أربعين عاماً وظفت 1100 عامل الذين قاموا بعمليات الشحن لساعات الشركة إلى جميع أنحاء العالم .
وفي الوقت نفسه بدأت تجارة الساعات الأميركية الناشئة في الالتفاف حول احتياجات مجال صناعة السكك الحديدية والتي طالبت بساعات دقيقة في حين أن صانعي الساعات الأميركيين لم يكن لديهم تاريخ في ممارسة الفنون النادرة مثل نظرائهم الهوغونوتيون في جنيف ، فقد برعوا في إنتاج أجهزة ضبط الوقت الموثوقة بسرعة وكفاءة .
كان النظام الصناعي الأمريكي مغرياً جداً للسويسريين لدرجة أنه في عام 1868انتقل الأميركي ” فلورانتين أي جونز”من بوسطن إلى شافهاوزن في شرق سويسرا وأسس شركة الساعات الدولية، المعروفة اليوم باسم ” أي دبليو سي شافهاوزن” في محاولة للجمع بين الحِرَفِية السويسرية وعملية الإنتاج الأمريكية المُثلى .
وقال السيد ” كريستيانسون” إن الهيمنة المتزايدة لساعات الجيب الأمريكية الصنع هدّدت السويسريين الذين حاولوا الحصول على التفوق في السنوات بين عامي 1860 م و 1880 م من خلال إغراق السوق الأمريكية بالساعات الرخيصة و لكنها كانت خردة .
و في مطلع القرن العشرين قام السويسريون بصقل إستراتيجيتهم. وقال السيد كريستيانسون: “لقد بدؤوا في إنتاج ساعة ذات نوعية جيدة بسعر متوسط ، و لقد استمر ذلك خلال الحرب العالمية الثانية” .
وبدأت الشركات السويسرية مثل لونجين وباتيك فيليب و فاشيرون كونستانتين في التودد إلى المستهلكين الأميركيين بقوة ، و لقد نجحوا في محاصرة السوق بعد الحرب العالمية الثانية مما أهلكَ صناعة الساعات الأميركية التي كانت مصانعها قد تم الاستيلاء عليها من قِبل المجهود الحربي ولم تتمكن من التكيف مع متطلبات الإنتاج المدني .
و لم ينعم السويسريون بالترف في وضع الزعامة لفترة طويلة إلاّ أنه مع بداية السبعينات كان اليابانيون قد طوروا تكنولوجيا ساعات الكوارتز الأرخص والأكثر دقة التي سمحت لهم بالهيمنة على تجارة الساعات غير المكلفة ، وفقدت صناعة الساعات الميكانيكية في سويسرا 60,000 عامل طيلة العقد حيث استسلم مصنع واحد تلو الآخر متأثراً بالأزمة.
و تتطلب الأمر لدفع عجلة نهضة صناعة الساعات الميكانيكية في الثمانينيات من القرن العشرين رؤية ” نيكولا ج. حايك، الأب، وهو رجل أعمال سويسري لبناني حيث قَدّم ساعة ” سواتش” وهي ساعة كوارتز سويسرية الصنع تغلبت على اليابانيين في الصناعة الخاصة بهم، و على مدى العقود التالية أعاد السويسريون تصنيف أنفسهم كأسياد الفخامة والأزياء والفن في أكثر العوالم تطرفاً .
و في العقد الماضي تبنى العديد من صانعي الساعات السويسريين من كبار تجار الساعات الفاخرة مثل فاشيرون كونستانتين إلى تجار الساعات من العلامات التجارية المتوسطة مثل فريدريك كونستانت فكرة أن يصبحوا مُصّنِعين وهو مصطلح المكانة الذي يميز الشركات التي تصنع كل جزء من ساعاتها عن تلك التي تشتري مكونات للتجميع والتسويق .
وقالت “إليزابيث دوير” رئيسة تحرير موقع “كويل آند باد” وهو موقع إلكتروني عن صناعة الساعات: “هذه الفكرة عن حركة التصنيع هي اختراع حديث ظهر في النهضة الميكانيكية لأن الجميع كان يستخدم نفس الحركة ، وأشارت إلى الحركات الأساسية التي تصنعها منظمة إيتا وهي شعبة من مجموعة سواتش ، كان على هذه العلامات التجارية الراقية أن تكتشف طريقة لتمييز نفسها” .
و في يومنا هذا ينقسم مشهد صناعة الساعات السويسرية بين الشركات التي تحمل المُكافِئ الحديث للـ établissage ومصادر قطع الغيار والحركات من الموردين الخارجيين – وعلى رأسها إيتا – وتلك التي نجحت في كونها شركات مُصّنِعة وتشمل هذه الأخيرة مجموعة متزايدة من العلامات التجارية غير السويسرية – ومقرها في ألمانيا وأمريكا والدنمارك وحتى الصين التي بدأت تتحدى الحكمة التقليدية لصناعة الساعات القائلة بأن سويسرا وحدها قادرة على إنتاج ساعات فاخرة .
ولكن وفقاً للعديد من المراقبين فإن عليهم قطعُ شوطاً طويلاً قبل أن يقوموا بالإطاحة بالسويسريين ، وقالت ” دارين شنيبر” رئيسة قسم الساعات الدولية في سوثبي: “أنا لا أرى أي منافسين آخرين ، و من أجل صٌنع ساعة فإنك تحتاج إلى كمية كبيرة من رأس المال لإنشاء مصنع و هو شيئاً لا يمكنكَ أن تصنعه في المنزل”.
و يتفق ” ماكسيميليان بوسر” مؤسس العلامة التجارية السويسرية لمتجر MB&F مع هذا التقييم مع تحذير واحد قائلاً ” إن الأمر لا يتعلق بما اذا كان السويسريون سيستمرون في الهيمنة ؟ وقال إن اللاعبون الحاليون سيستمرون في الهيمنة ليس لأنهم سويسريون ولكن لأنهم كبيرون جداً ، إن العائق أمام الدخول إلى هذا العمل هائل”.
وقد سَرَدَ السيد بوسر قائمة من عمليات الاستحواذ الأخيرة للمجموعات الفاخرة لإظهار التوحيد المتفشي في أعمال الساعات مما يجعل من الصعب على صانعي الساعات المستقلين النجاح، و في عام 2011حصلت شركة ” كيرينغ” الفرنسية الملكية على حصة الأغلبية في الشركة الأم للعلامة التجارية السويسرية ” جيرارد بيريجو” التي يبلغ عمرها 220 عامًا، وفي يوليو/تموز قامت الشركة بشراء شركة ” أوليس ناردين” التي يبلغ عمرها 168 عاماً والمعروفة بالكرونوميترات البحرية عالية الجودة ، و في عام 2013، تم بيع شركة ” كوروم” إلى شركة ” هلدان القابضة” وهي المرة الأولى التي تقع فيها العلامة تجارية “haute horlogerie” تحت سيطرة الملكية الصينية.
وقال السيد بوسر: “إن الأمر لا يتعلق بكون العلامة التجارية للساعة ألمانية أو فرنسية أو صينيًة أو سويسرية فإني أتمنى حظاً مُوفقاً لأي علامة تجارية تنطلق اليوم”.