في قلب باريس، وبالتحديد في ساحة فاندوم الشهيرة، تقع دار بوشرون التي لطالما كانت رمزًا للأناقة والفخامة في عالم المجوهرات. مع اقتراب النسخة الحادية والأربعين من أيام التراث الأوروبية، تفتح بوشرون هذا الأسبوع أبواب مقرها التاريخي، فندق “نوسي”، لتأخذ الزوار في رحلة استثنائية عبر أكثر من 166 عامًا من الإبداع والتراث. تُتيح هذه الفرصة النادرة للزوّار الغوص في أعماق التاريخ الفني للمجوهرات واكتشاف الكنوز المخفية وراء أبواب هذا القصر العريق.
تاريخ دار بوشرون
تأسّست دار بوشرون في عام 1858 على يد فريدريك بوشرون، وسرعان ما أصبحت أحد الأسماء الرائدة في عالم المجوهرات الفاخرة. كان بوشرون أول من افتتح متجرًا في ساحة فاندوم عام 1893، وهو موقع ذو أهمية تاريخية كبيرة. تميزت بوشرون بجرأتها في التصميمات وابتكاراتها الفنية، حيث أصبحت مجوهراتها مرادفًا للرقي والفخامة. فندق “نوسي”، الذي تم بناؤه في القرن الثامن عشر وصُنف ضمن الآثار التاريخية، هو مقر بوشرون منذ أكثر من 130 عامًا. وقد شهد هذا القصر تجديدات حديثة للحفاظ على رونقه التاريخي مع إدخال لمسات معاصرة تضيف إلى سحره.
التجربة الفريدة خلال أيام التراث الأوروبية
خلال أيام التراث الأوروبية لهذا العام، سيتمكّن الزوار من استكشاف أركان هذا القصر التاريخي من خلال جولات إرشادية خاصة. تشمل الجولة زيارة المكتبة الخاصة، التي تحتوي على مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة التي توثق تاريخ الدار. بالإضافة إلى ذلك، سيتمكّن الزوار من مشاهدة قطع تراثية نادرة من أرشيف بوشرون، والتي تُعرض لأول مرة أمام الجمهور. من بين تلك القطع المميّزة، تاج بيل إبوك المرصع بالفيروز والألماس، الذي تم تصميمه من قبل دار بوشرون في حوالي عام 1905. يتميّز التاج بسبع أحجار فيروزية على شكل كابوشون مثبتة على شريط مفتوح مرصّع بالألماس بشكل دقيق. يبلغ طول التاج حوالي 27 سم، وتمّ بيعه في مزاد بحوالي 84,000 دولار أمريكي. يعكس هذا التاج المهارة العالية للدار في تنسيق الأحجار الكريمة مثل الفيروز مع تصاميم الألماس المتقنة، ممّا يبرز التراث الفني والتاريخي الذي تحمله كل قطعة.
اللقاء مع حرفيي بوشرون
الجزء الأكثر إثارة في هذه الجولة هو الفرصة الفريدة للقاء حرفيي بوشرون الذين يعملون خلف الكواليس في صناعة المجوهرات الفاخرة. هؤلاء الحرفيون، الذين يتمتعون بمهارات عالية وتقاليد عريقة، سيقدّمون عروضًا حيّة حول كيفية تصميم وصياغة قطع المجوهرات. هذه العروض تسلط الضوء على الدقة والبراعة التي تتطلبها صناعة كل قطعة من مجوهرات بوشرون، مما يعطي الزوار فهمًا أعمق للفن الكامن وراء هذه الأعمال.
تنتهي الجولة بتجربة ملهمة تأخذ الزوار إلى عمق عالم بوشرون، حيث يكتشفون ليس فقط تاريخ الدار ولكن أيضًا روح الإبداع والحرفية التي استمرت لأكثر من قرن ونصف. تعد هذه الفعالية فرصة نادرة لعشاق المجوهرات والفن لاكتشاف أسرار واحدة من أقدم وأعرق دور المجوهرات في العالم. إنّ أيّام التراث الأوروبية ليست مجرد احتفال بالتاريخ، بل هي نافذة تطلّ من خلالها على تراث الإبداع والفن. تُقدّم لنا دار بوشرون، من خلال فتح أبوابها للجمهور، لمحة عن عبق الماضي وروعة الحاضر، وتذكّرنا بأنّ الفنّ الحقيقي لا يموت بل يستمر في إلهام الأجيال. هذه التجربة ليست مجرد جولة داخل مبنى تاريخي، بل هي رحلة عبر الزمن، تحمل في طيّاتها جمال المجوهرات ورقي الحرفية التي شكلت دار بوشرون.