في عالمٍ يلتقي فيه الخيال بالحِرَفية، وتتعانق فيه الشعرية مع عبقرية الهندسة، تقدّم دار فان كليف آند آربلز واحدة من أعجب ابتكاراتها الفنية: الدمية الميكانيكية «براسيه دو لافاند». تحفة تنمو من قلب الطبيعة، وتتفتّح من رحم الإبداع، لتروي عبر الذهب واللاكر والموسيقى مشهداً يوقظ الحواس ويخطف الأنفاس. ليست مجرد قطعة فنية؛ بل تجربة كاملة، حركة وصوتاً وضوءاً، تُجسّد رؤية الدار في تحويل الوقت إلى شاعرية نابضة بالحياة.

قُبّة تنمو من الذهب… وتخفي سرّ الفراشة

تنطلق الدمية الميكانيكية براسيه دو لافاند من أغصان ملتفّة من الذهب الوردي المطلي باللَّكَر، تنسج حول نفسها قُبّة نباتية تتوارى بين حناياها أسرار الطبيعة. ستة وثلاثون ساقاً تتشابك ضمن صفَّين متداخلين، وتُزيّنها أوراق خضراء رقيقة وأزهار زرقاء تتناغم ألوانها وكأنها تُقيم حواراً سرياً بين الضوء والهواء. يبلغ ارتفاع هذه التحفة نحو 12 إنشاً (30 سم تقريباً)، وعرضها حوالي 21.5 سم، وهي مصنوعة من مزيج من الذهب الأبيض، الذهب الأصفر، الذهب الوردي، الأمتيست، الماس، الفيرديت، الهوليت، اللَّكَر، الأبَنوس، جلد الماعز، الألمنيوم، والفولاذ.

حين تُفعَّل الآلية… تُزهر الخزامى وتولد الفراشة

ما إن تُفعَّل الآلية الميكانيكية حتى يبدأ المشهد الحُلْميّ. يتفتح تويج زهرة الخزامى تدريجياً، كأن نسمة خفيفة تهزّه، لينكشف في قلبها فراشةٌ مجوهرة تتمايل بحركة دائرية نابضة بالحياة، قبل أن تعود إلى قلب الباقة التي تُغلق عليها برفق من جديد. وتُعدّ الفراشة عملاً فنياً مستقلاً بحدّ ذاتها، إذ صُنعت أجنحتها بتقنية مينا «أجور بليك» (Blanc de Limoges – Plique-à-jour) التي تسمح بمرور الضوء كما لو كانت نافذة زجاجية ملوّنة. أمّا أطراف الأجنحة فمشغولة من الذهب الأبيض، فيما صيغ جسم الفراشة من حجر عين النمر، وزُيّنت قرب الجناحين بحجرَي أمتيست مقطوعين على شكل كابوشون، مع حسّاسات مرصّعة بالماس. ويتباين لمعان المينا الأسود المعتم مع شفافية الألوان ليمنح الأجنحة واقعية آسرة تخطف الأنفاس.
قلب من الحِرَف الدقيقة: الفيرديت والهوليت وصنعة اللَّكَر

ترتكز قاعدة الدمية على طبقتين من مادة الفيرديت ذات اللون الأخضر المتحوّل، ذات عروق متبدّلة تُضفي طبيعة حيّة على المشهد. وإلى جانبها، يُصنع الوعاء من حجر الهوليت الأبيض الجيرّي المميّز بعروقه الرمادية. يُطلى الذهب الوردي باللَّكَر يدوياً عبر مراحل دقيقة: خلط الأصباغ، تطبيقها على السطح، صقل الطبقات وتسخينها ثم وضع طبقة نهائية شفافة تمنح البريق والعمق.تتطلّب هذه العملية مهارات يدوية متوارثة عبر الأجيال.
الوقت… حلقة تدور كالكواكب

تُشار الإشارة إلى الوقت بطريقة غير تقليدية عبر حلقة دوّارة بزاوية 360 درجة تزيّنها حبيبات من خرز الذهب، مع مؤشرات ساعات من الذهب الأصفر المُطعّم بالماس. تعمل الدمية بآليتين مستقلّتين: الآلية الأولى هي آلية الباقة والفراشة التي تتفتّح وتنغلق بسلاسة كأن الهواء يحركها. والآلية الثانية هي آلية قراءة الوقت عبر الحلقة الدوّارة التي تعمل بدقة متناهية. كما وتتمتّع الدمية باحتياطي طاقة يصل لـ 8 أيام، ويمكن تشغيلها عند الطلب مع جرس كاريون تصدر منه نغمات متناغمة ترافق رقصة الفراشة.
تحفة تولد من التعاون بين الفن والهندسة

وُلدت هذه القطعة من تعاون وثيق بين مشاغل Van Cleef & Arpels وخبراء الآليات الميكانيكية في سانت-كرو (Mécaniques d’Art) وورش المينا والحرفيين المتخصصين في باريس وجنيف. وقد تطلّب تطويرها سنواتٍ من البحث والتجارب للوصول إلى حركة خفيفة وانسيابية تُحاكي الطبيعة الحيّة دون أي تنازل عن الدقة أو الجمالية.
امتداد لتراث «أوبجكتس إكسترا أورديناري»

تنتمي براسيه دو لافاند إلى مجموعة Extraordinaire Objets التي تُعيد إحياء تقاليد الدار منذ عام 1906 في ابتكار الأشياء الثمينة التي تجمع بين الشعرية، الدهشة، الحرفية العالية ورؤية فريدة لمرور الوقت. في هذه التحفة، يبدو الزمن وكأنه يتوقّف داخل باقة من الخزامى، بينما تدور النجوم في الخارج بسرعة. مشهد يجمع الطبيعة والفنّ والكون في حركة واحدة متناغمة.

ختاماً، تُعدّ تحفة «براسيه دو لافاند» أكثر من مجرد دمية ميكانيكية؛ إنها قصة مضيئة نُسجت من الذهب والموسيقى والخيال. قطعة تجمع بين تقنيات نادرة، وحرفية متوارثة، ورؤية فنية تتخطّى حدود صناعة المجوهرات لتدخل عالم السحر المحض. إنّها التجسيد الحقيقي لروح دار فان كليف آند آربلز حيث تتحوّل الطبيعة إلى أسطورة، ويتحوّل الوقت إلى حلمٍ يتفتح وينغلق ويتحرك في دورة شاعرية لا تنتهي. إنّها تحفة لا تُقرأ بل تُختبَر وتُعاش.