سرقة القرن من متحف اللوفر – مجوهرات نابليون وأوجيني تختفي في وضح النهار

في حادثٍ هزّ العالم الفني والملكي على حدّ سواء، شهد متحف اللوفرفي حادثٍ هزّ العالم الفني والملكي على حدّ سواء، شهد متحف اللوفر في باريس واحدة من أخطر السرقات في تاريخه الحديث، بعدما تمكّن ثلاثة لصوصٍ ملثّمين من اقتحام قاعة “غاليري د’أبّولون” وسرقة تسع قطع من مجوهرات التاج الفرنسي لا تُقدّر بثمن. وقعت العملية في وضح النهار، واستخدم الجناة مصعداً خارجياً تابعاً لأعمال ترميم للوصول إلى النوافذ المطلة على نهر السين، قبل أن يفرّوا على دراجةٍ نارية في مشهدٍ أشبه بأفلام السرقة العالمية.

القطع المسروقة: إرث نابليون وأوجيني المفقود

1. تاج الإمبراطورة أوجيني (Crown of Empress Eugénie)

تاج الإمبراطورة أوجيني، تحفةٌ استثنائية صُنعت عام 1855 على يد دار Bapst، صائغ البلاط الإمبراطوري الفرنسي، من الذهب المرصّع بـ 1,354 ماسة و56 زمردة كولومبية نادرة. يجمع هذا التاج بين فخامة الطراز النابليوني ورقّة الذوق الأنثوي لعصر الإمبراطورية الثانية، مع تفاصيل نباتية وزهرية منحوتة بدقّة مذهلة. خفيف الوزن ومتناسق مع ملامح الإمبراطورة الراقية، كان يُعرض في قاعة Galerie d’Apollon داخل متحف اللوفر كرمزٍ للمجد الفرنسي، قبل أن يُسرق ويُعثر عليه لاحقًا في حالةٍ متضرّرة قرب نهر السين. وتُقدّر قيمته اليوم بنحو 20 مليون دولار، بوصفه إحدى أندر وأجمل الجواهر الإمبراطورية في التاريخ الفرنسي.

2. تاج اللؤلؤ للإمبراطورة أوجيني (Empress Eugénie’s Pearl Tiara)

يُعتبر تاج اللؤلؤ للإمبراطورة أوجيني أيقونة ملكية تجسّد الترف الفرنسي في أوج عهده. صُمّم عام 1853 على يد دار Bapst بطلب من الإمبراطور نابليون الثالث لزوجته الإمبراطورة أوجيني دي مونتيجو، التي عُرفت بشغفها باللآلئ. يضمّ التاج أكثر من 200 لؤلؤة طبيعية من مياه الخليج وبحر الجنوب، بأحجام تتراوح بين 5 و15 ملم، تتوّجها لآلئ كمثرية ضخمة نادرة في قمّته، ويحيط بها ما يزيد عن 1,000 ماسة بقطعٍ مستدير عتيق، بإجمالي وزنٍ يقارب 120 قيراطًا. يمتزج في تصميمه الذهب الأبيض والفضة بأسلوبٍ يوازن بين النقاء الأنثوي والبريق الإمبراطوري، مع نقوشٍ نباتية دقيقة مستوحاة من الطبيعة الفرنسية في القرن التاسع عشر. بعد سقوط الإمبراطورية، انتقل التاج إلى عائلة Thurn und Taxis الألمانية عام 1890، وبقي في مجموعتها حتى 1992 حين استحوذت عليه جمعية أصدقاء اللوفر ليُعرض ضمن مجوهرات التاج الفرنسي في قاعة Galerie d’Apollon. تُقدّر قيمته السوقية الحالية بين 2 و3 ملايين دولار أمريكي، ويُعدّ من أكثر تيجان أوروبا شهرةً وتميّزًا بفضل صفاء لآلئه الطبيعية وندرتها الفائقة.

3. طقم الياقوت لعائلة أورليان (Orléans Sapphire Parure)

يُعد طقم الياقوت لعائلة أورليان تحفة ملكية استثنائية صُنعت في القرن التاسع عشر كإرث نابليوني ثمين لعائلة Orléans الفرنسية، ليجسّد الذوق الإمبراطوري في أبهى صوره. يتكوّن الطقم من تاج فاخر، عقد، أقراط، بروش، وأزرار أكمام مرصّعة جميعها بـ الياقوت الأزرق الطبيعي من بورما (ميانمار حاليًا) والماس الأبيض النقي. يضمّ أكثر من 30 حجر ياقوت بوزن إجمالي يُقدّر بحوالي 350 قيراطًا من الياقوت الفاخر بقطعٍ بيضاوي وكمثري، محاطٍ بـ 700 ماسة تزن مجتمعةً نحو 150 قيراطًا. يجمع تصميمه بين الفخامة النابليونية والتوازن الكلاسيكي الذي يميز مجوهرات القرن التاسع عشر، إذ نُفّذ بتقنية “الفضة على الذهب” التي تمنح الأحجار بريقًا استثنائيًا. بقي الطقم في ملكية عائلة أورليان لأكثر من 150 عامًا، قبل أن يُباع إلى متحف اللوفر عام 1985 عبر دار Christie’s، ليُعرض ضمن مجموعة Galerie d’Apollon الشهيرة. تُقدّر قيمته السوقية اليوم بنحو 5 إلى 6 ملايين دولار أمريكي، ويُعتبر من أندر مجموعات الياقوت التاريخية التي تمثل مجد الإمبراطورية الفرنسية.

4. طقم الزمرد للإمبراطورة ماري لويز (Marie-Louise’s Emerald Parure)

صُمّم طقم الزمرد للإمبراطورة ماري لويز عام 1810 كهدية من نابليون بونابرت لزوجته الثانية الإمبراطورة ماري لويز دوقة بارما بمناسبة زواجهما. يتألّف الطقم من عقد وأقراط مرصّعة بـ 16 زمردة كولومبية نادرة بأحجام تتراوح بين 5 و25 قيراطًا لكل حجر، بإجمالي وزنٍ يقارب 300 قيراطًا من الزمرد الطبيعي، محاطة بأكثر من 500 ماسة بيضاء بقطعٍ ورديّ قديم تعكس الضوء ببريقٍ مذهل. صاغته دار Bapst بتصميمٍ إمبراطوري كلاسيكي مستوحى من أغصان الزيتون والزهور، ليجسّد الأنوثة الملكية والهيبة النابليونية في آنٍ واحد. انتقل الطقم لاحقًا إلى الفرع التوسكاني من عائلة هابسبورغ حتى منتصف القرن العشرين، قبل أن تشتريه البارونة إلي دو روتشيلد وتُهديه إلى متحف اللوفر عام 2004. تُقدّر قيمته السوقية اليوم بنحو 4 إلى 4.5 ملايين دولار أمريكي، ويُعدّ من أندر أطقم الزمرد الكولومبي في التاريخ الملكي الأوروبي، بفضل نقاء أحجاره ولونه الأخضر الغني الذي يرمز إلى الازدهار والخلود.

5. بروش العقدة الماسي للإمبراطورة أوجيني (Diamond Bow Brooch)

صُمّم بروش العقدة الماسي للإمبراطورة أوجيني عام 1855 في دار Bapst، صائغ البلاط الإمبراطوري الفرنسي، بطلبٍ من الإمبراطور نابليون الثالث لزوجته الإمبراطورة أوجيني دي مونتيجو. القطعة مصنوعة من الذهب والفضة بترصيعٍ مذهل يضم أكثر من 2,400 ماسة طبيعية عالية النقاء، بإجمالي وزنٍ يُقدّر بنحو 180 قيراطًا، منها ألماسات كمثرية ومستديرة وقطع ورديّ قديم (Old Mine Cut). جاء التصميم على شكل عقدة مترفة تتدلّى منها شرّابات مرصّعة بالكامل، رمزًا للأنوثة الراقية والقوة الناعمة في آنٍ واحد، وكانت الإمبراطورة ترتديه في المناسبات الإمبراطورية الكبرى لتثبيت وشاحها الرسمي. بعد سقوط الإمبراطورية الثانية، انتقل البروش إلى ملكية كارولاين أستور عام 1887، قبل أن تستحوذ عليه جمعية أصدقاء اللوفر عام 2008 ويُعرض ضمن مجوهرات التاج الفرنسي في قاعة Galerie d’Apollon. تُقدَّر قيمته اليوم بنحو 3 إلى 3.5 ملايين دولار أمريكي، وهو يُعتبر أحد أكثر تصاميم القرن التاسع عشر تعقيدًا وتميّزًا في عالم صياغة الماس الفرنسي.

6. البروش التذكاري الماسي (Diamond Reliquary Brooch)

صُمّم البروش التذكاري الماسي للإمبراطورة أوجيني عام 1855 على يد الصائغ الملكي الشهير ألفريد بابست (Alfred Bapst) بطلبٍ من الإمبراطور نابليون الثالث ليُقدَّم هديةً لزوجته الإمبراطورة أوجيني. مصنوع من الذهب الأبيض والفضة، ويضمّ أكثر من 120 ماسة طبيعية عالية النقاء، يصل مجموع وزنها إلى نحو 85 قيراطًا، بينها ألماسة مركزية بقطعٍ كمثريّ (Pear Shape) تزن حوالي 10 قيراطات تتدلّى منها أحجار أصغر بشكلٍ انسيابي يشبه قطرات المطر. تميّز هذا البروش بتصميمٍ رمزيّ يمثّل الوفاء والحماية، إذ كانت الإمبراطورة ترتديه في المناسبات الرسمية على فساتين الديباج الملكي. أُدرج ضمن مجموعة التاج الفرنسي في Galerie d’Apollon داخل اللوفر عام 1887، ويُعدّ اليوم من أندر أعمال دار Bapst التي بقيت شاهدة على روعة الحرفية الفرنسية في القرن التاسع عشر. تُقدّر قيمته السوقية الحالية بنحو 1.5 إلى 2 مليون دولار أمريكي، لكنه يُعتبر تراثاً لا يُقدَّر بثمن لما يحمله من رمزية إمبراطورية وتاريخية استثنائية.

7. طقم الياقوت والماس لدوقة أنغولِم (Ruby and Diamond Parure)

صُمّم طقم الياقوت والماس لدوقة أنغولِم عام 1828 على يد دار Bapst، صائغ البلاط الملكي الفرنسي، بطلبٍ من الملك شارل العاشر كهديةٍ لابنته ماري تيريز شارلوت دوفين، دوقة أنغولِم. يتألّف الطقم من سوارين فاخرين وبروش مركزيّ، مصنوع من الذهب والفضة ومرصّع بما يزيد عن 250 ماسة بيضاء بقطع مستدير وقديم، إلى جانب أكثر من 70 حجر ياقوت طبيعي بتدرجات اللون القرمزي العميق إلى الوردي الأرجواني، تتراوح أحجامها بين 1 و5 قيراطات لكل حجر. يتميّز التصميم بتناسقٍ هندسي دقيق يعبّر عن أسلوب الحقبة البوربونية المتأخرة، حيث يجتمع البريق الماسي مع دفء الياقوت في توازنٍ مثالي بين القوة والأنوثة. ظلّ هذا الطقم ضمن مجموعات النبلاء الأوروبيين، إلى أن اقتناه متحف اللوفر عام 1973 ليُعرض ضمن مجوهرات التاج الفرنسي. ويُقدَّر سعره اليوم بأكثر من 2.5 إلى 3 ملايين دولار أمريكي، فيما يبلغ مجموع وزن أحجاره نحو 100 قيراط من الياقوت والماس الطبيعي، ما يجعله من أهم الأطقم التاريخية التي تجمع بين الفخامة الملكية والبراعة الحرفية الفرنسية.

8. بروش اللؤلؤ الملكي الفرنسي (French Crown Pearl Brooch)

صُمّم بروش اللؤلؤ الملكي الفرنسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بأسلوب كلاسيكي يمزج بين الترف الملكي والبساطة الأنثوية، وهو مرصّعٌ بـ سبع لآلئ طبيعية ضخمة بأشكال بيضاوية ودمعية نادرة، محاطة بهالة من ألماس أبيض عيار عالٍ يزيد مجموعه عن 30 قيراطًا، مع لمسات دقيقة من ألماس ورديّ باهت في التفاصيل الجانبية. تنحدر هذه التحفة من مقتنيات عائلة فورتمبرغ البلغارية التي احتفظت بها لأكثر من قرن، قبل أن يقتنيها متحف اللوفر عام 2015 ويعرضها ضمن مجموعة مجوهرات التاج الفرنسي. يُقدَّر سعر هذا البروش في السوق اليوم بما يتراوح بين 2.5 و3 ملايين دولار أمريكي، لكن قيمته التاريخية تتجاوز ذلك بكثير، إذ يُعتبر واحداً من أنقى وأندر تصاميم اللآلئ الطبيعية في التاريخ الأوروبي.

9. نجمة وسام الروح القدس (Diamond Star of the Order of the Holy Spirit)

صُمّمت نجمة وسام الروح القدس حوالي عام 1740 في عهد الملك لويس الخامس عشر، كرمز ملكي يُمنح لأعضاء عائلة بوربون بارما تكريمًا لولائهم وتفانيهم في خدمة التاج الفرنسي. تتميّز بتصميمٍ على شكل نجمة بثماني رؤوس، مصنوعة بالكامل من الذهب الأبيض والفضة، ومرصّعة بأكثر من 400 ماسة مستديرة عالية النقاء، يصل مجموع وزنها إلى نحو 80 قيراطًا من الألماس الطبيعي. تتوسّطها ماسة كبيرة بيضاوية تزن قرابة 5 قيراطات تحيط بها خطوطٌ من الماسات الأصغر لتشكل رمز الحمامة، في إشارة إلى الروح القدس. يُعدّ هذا الوسام من أندر وأفخم القطع في التاريخ الملكي الفرنسي، إذ لم يُصنع منه سوى عدد محدود للغاية خصّ به ملوك فرنسا أقرب المقربين إلى البلاط. وتُقدّر قيمته السوقية اليوم بما يفوق 3 ملايين دولار أمريكي، لكنه يُعتبر تراثًا لا يُقدّر بثمن من حيث رمزيته التاريخية ومكانته في الإرث الملكي الأوروبي.

القيمة والرمزية

تتجاوز القيمة الإجمالية للمجوهرات المسروقة من اللوفر أربعين مليون دولار وفق تقديرات خبراء المزادات العالمية مثل Sotheby’s وChristie’s وRapaport، استناداً إلى مبيعات سابقة لتيجان وأطقم من الحقبة النابليونية. لكن قيمتها الحقيقية تتخطّى المال بكثير، فهي تمثّل تاريخ فرنسا الإمبراطوري بكل رموزه، من نابليون وجوزفين إلى أوجيني، وتحمل بصمة أرقى دور الصياغة الفرنسية مثل Bapst وChaumet.
إنها ليست مجرد مجوهراتٍ مذهلة، بل شواهد حيّة على مجدٍ صاغه الذهب والماس والذاكرة، ما يجعل هذه السرقة الأغلى والأكثر إيلاماً في تاريخ المتاحف الأوروبية المعاصرة.

في الختام، حادثة اللوفر ليست مجرّد سرقة لمجوهرات نادرة، بل هي جريمة ضد الذاكرة الفنية والهوية الثقافية لفرنسا. وبينما يواصل المحقّقون البحث عن اللصوص والقطع المفقودة، يبقى بريق تلك المجوهرات الملوّثة بالغبار والغياب، شاهداً على زمنٍ كانت فيه الفخامة عنواناً للخلود.

اشترك لتصلك النشرة الشهرية