في عالم المجوهرات الراقية، لا تُقاس القيمة فقط بالقيراط أو اللمعان، بل بالتاريخ الذي يحمله الحجر، وبالأسماء التي مرّت عليه، وبالأنفاس التي تتوقف حين يظهر تحت ضوء واحد. وفي جنيف، المدينة التي شهدت أعظم المزايدات على الكنوز النادرة، وُلد فصل جديد من الأساطير، فصلٌ صنعته ألماسة زرقاء خرافية تُدعى The Mellon Blue. ألماسة تخطّت حدود الندرة، تخطّت التوقعات، وتخطّت حتى الخيال لتُسجّل صفقة بلغت 25.6 مليون دولار، وتعيد تعريف معنى الجمال الأزرق الطاغي.

في قاعة Hotel des Bergues الفاخرة، حيث تلتقي الأصالة السويسرية برفاهية المشهد، ارتفعت نبضات الحضور مع دخول قطعة واحدة فقط، ألماسة زرقاء زاهية تزن 9.51 قيراطاً، تتوهّج كأنها تعكس سماء ليلية انحصرت داخل حجر صغير. إنّها The Mellon Blue، الجوهرة التي تحوّلت إلى محور مزاد Magnificent Jewels الذي تقيمه دار كريستيز، مزاد لا يقدّم مجوهرات فحسب، بل لحظات تُدوَّن في تاريخ الفخامة.

منذ اللحظة الأولى، أدرك الخبراء أن المسرح على موعد مع حدث استثنائي. فثمن الألماسة قُدّر ما بين 16 و24 مليون فرنك سويسري؛ رقمٌ يعكس ندرتها، لكنه لم يكن كافياً لحبس شهية المزايدين الجالسين حول القاعة.
ومع كل خطوة من خطوات المزايدة، كانت الأنفاس تختنق شيئاً فشيئاً حتى سقطت المطرقة أخيراً عند 20,525,000 فرنك سويسري، أي 25.6 مليون دولار، لتعلن عن ولادة أسطورة جديدة في عالم الأحجار الكريمة. لكن سر هذه الألماسة لا يكمن فقط في جمالها الأزرق الفائق، ولا في درجتها اللونية المصنّفة Fancy Vivid Blue، أندر درجات الأزرق في عالم الألماس—بل في إرث صاحبتها السابقة: راشيل لامبرت ميلون، المعروفة باسم باني ميلون. امرأة أمريكية كانت تُجيد تنسيق الحدائق كما تُجيد جمع الفن، عاشقةٌ للجمال، وفاعلة خير وضعت بصمتها في عالم الأناقة الراقية. امتلاكها لهذه الألماسة منحها سيرة ذاتية مضيئة تزيد قيمتها الرمزية قبل قيمتها المادية.

أمّا تصميم الخاتم الذي يحتضن الحجر، فهو تحفة أخرى بحد ذاته. خاتم بتصميم Serpentine متعرّج، يلتف حول الإصبع كأنه ينساب بحركة مائية ناعمة، يكمّل لون الألماسة الأزرق ويُبرز وهجها الداخلي، فيجمع بين قوة الخطوط ورهافة الانسياب. وهكذا، تحوّلت الألماسة من مجرد حجر باهظ الثمن، إلى قصة فنّية، وإلى لوحة من الضوء، وإلى كنز يختصر الجمال في أنقى صوره.

ختاماً، لم تكن The Mellon Blue مجرد قطعة تُباع في مزاد، بل كانت حدثاً يرسّخ مكانة جنيف كعاصمة للأحجار النادرة. صفقة الـ 25.6 مليون دولار لم تكن رقماً في دفتر المزادات، بل شهادة على شغف لا ينتهي بسحر الألماس، وعلى أن بعض الكنوز خُلقت لتثير الدهشة، وتُسجّل حضورها في ذاكرة الزمن. وفي كل مرة تلمع فيها هذه الألماسة، تعود القصة لتُروى من جديد قصةٌ تبدأ بلون أزرق حيّ، وتنتهي بتحفة خالدة لا يشبهها حجر.